العصا السحرية التي تُشكِّل مستقبل طفلك

ليس من السهل تربية الأبناء في زمننا المشحون باللهاث وراء الحياة وتوترها الذي صنعناه نحن بأنفسنا، وبالمقابل ليس من الصعب أن نربي أبناءنا تربية جيدة مهما كانت ظروف (صباحاتنا) التي تبلورت تهرباً منا في رحلة مثيرة تصور الحياة المعاصرة التي تحتاج من الأجيال القادمة، تمرساً لمواكبتها والتعايش معها بصفة عامة، فكل جانب في التعايش في حياتنا يتأثر بدرجة ثقتنا وتقديرنا لأنفسنا، لأن الثقة هي مصدر السيطرة على السلوك والتفكير والاستقرار والإبداع، بل في كل جانب في حياتنا، لذلك فمهمة غرس ثقة الطفل بنفسه من أهم مقومات التربية وأصعبها.
الأطفال يبدأون بتكوين صور ذاتية لأنفسهم في سن مبكرة من خلال علاقاتهم بالآخرين، فالثقة بالنفس لا تولد مع الطفل، ولكنه يكتسبها عبر التجارب والخبرات الإيجابية والناجحة، وهنا يأتي دور الوالدين والمعلمين وكل من له علاقة بالتربية بتعزيز هذا النجاح، ولكن كيف تغرس الثقة بطفلك وتعززها ؟
نستطيع بناء الثقة بالنفس لدى أبنائنا بالدعم والتقدير والقبول، وتعزيز ذلك عن طريق قبول الطفل كما هو، وليس كما (أنت) عليه، فالمهم أن تتركه يتصرف على سجيته ولا تحاول استنساخه منك أو جعله نسخة مصغرة منك، وكلما أظهرت لطفلك تقديرك له بجهوده وتجاربه كما هي عليه - حتى لو لم تكن مرضية لك - فإن ثقته بنفسه تزداد حتماً.
لذلك دائماً الآباء يريدون أن يتصرف أبناؤهم كما يتصرفون هم، ولا يقبلون بما يكون أبناؤهم عليه، وكأنهم يحرمونهم استقلالية الشخصية، وهذه مشكلة في التربية، فالقضية التي يجب أن نفهمها إذا أردنا أن نصل لأفضل النتائج هي أن نقبلهم كما هم، وأن نوجههم نحو الصحيح، وهذه هي الركيزة الأولى لبناء الثقة بالنفس، لأن ذلك سيعلم الطفل أنك راضٍ وفخور به، وبالتالي سيشعر بالرضا نحو نفسه والآخرين.
ويأتي دور قضاء الأوقات مع الأبناء وتبادل الحوار وإحساسهم بأن هذا الوقت هو ملك لهم، فذلك يعزز ثقتهم بأهميتهم لدى الآباء، ولكن هذا الوقت يستدعي خلع عباءة ورداء الأبوة الذي مازال البعض يعتقد أنه عامل مهم في التربية، وهو في الحقيقة امتداد للقمع الذي نعيشه ومفاهيم تقولبت بحجة (العيب) لدى بعض الآباء وأساطير قوة الشخصية والهيبة لدى بعض المعلمين.
لبس روح المتعة والانطلاق الداخلي بكل أريحية في أوقاتنا مع أبنائنا يجعلنا نجد أنفسنا أقرب لهم ونكون بذلك أظهرنا مدى تقديرنا لهم، وعندما نتوقف عند دراسة أمريكية حديثة عن الثقة بالنفس للطلاب في المراحل الدراسية نجدها توصلت إلى أن:
80 % من الأطفال في العام الدراسي الأول يتمتعون بثقة عالية.
20 % من الأطفال في الصف الخامس يتمتعون بثقة عالية.
5 % فقط من طلاب المرحلة الثانوية يتمتعون بثقة عالية.
نلاحظ كيف أن البون شاسع في الانخفاض الهائل لتدني مستوى الثقة بالنفس للطلاب كلما كبروا ! لأن العلاقة بين الآباء والمعلمين والأبناء تخف وينشأ فيها فجوة، فالآباء هم سبب كبير فيها لأنهم لم يكوّنوا مع الأطفال علاقات مستديمة معهم، ولم يتنبهوا لأغلب مشاكل أبنائهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ولاعتقاد الطلاب بأن المدارس عامل إجباري لتجاوز مرحلة حياتية يمارس فيها عدد من القوانين، بالإضافة لتسلط وقمع بعض المعلمين التفاعلي أو العلمي.
ومن أسس بناء الثقة بالنفس الاحترام وهو أساس الأخلاق، ومن الثوابت التي يقوم عليها التعامل مع الآخرين بدءاً من الوالدين حتى المجتمع بأسره، فزواج بلا احترام سيكون فاشلاً، وصداقات بلا احترام ستكون كذلك،فما بالنا بعلاقة أبوة بلا احترام كيف ستكون ؟ لذلك عندما يظهر الوالدان لطفلهما الاحترام فإنه يدرك أنهما يقدرانه وذلك سينعكس إيجاباً على ثقته بنفسه، وسيتعدى ذلك إلى كيف يحترم الآخرين، وسيكون ذلك بأن تهتم به، تنصت وتستمع له، وتعرف ماذا يريد أن يقول، وتتحدث إليه كأنك تتحدث مع أقرب الناس لك دون التقليل من شأنه أو آرائه.
تصف الاختصاصية النفسية لويز هارت كيفية تعزيز ثقة الطفل بنفسه في خطوات:
امنحه وقتاً وأنصت إليه.
أخبره أنك تحبه وعانقه وابتسم له كثيراً.
وزع عليه بعض المسؤوليات التي يقوم بها.
لاتساعده إلا إذا احتاج ذلك ولا تقم بكل شيء بالنيابة عنه.
احتف بإنجازاته.
استمتع مع طفلك.
اعقد اجتماعات عائلية على نحو منتظم.
قص له عن تجارب جيدة في حياتك وحياة الآخرين.
شجعه على ممارسة هوايات وتنمية اهتمامات جديدة.
حاول أن توطد صداقاته بالأطفال الآخرين.
كن متعاوناً مع معلميه ومدرسته.
يستطيع كل أب وأم أو معلم ومعلمة استخدام المزيد من الطرق السابقة وغيرها وسوف يساعد ذلك على تعزيز ثقة الطفل بذاته ليصبح شخصاً مميزاً يمتلك عصا سحرية ترافقه للنجاح يحظى فيها باحترام حقيقي لنفسه ونضع بها أساساً (لمجتمعٍ) يحترم نفسه و(الآخرين).
تهنئة:
أطل العام الدراسي الجديد يحمل آمالاً نرجو بها لطلابنا مستقبلاً زاهراً لا حدود له ونحمل معاً لليوم الوطني أقماراً وسلة تبريكات بعروق خضراء في شهر مبارك كريم بين أقواس زاهية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) لديننا ولوطننا الذي مازلنا نبحث عن أبجدية جديدة تليق به وبمكانته معاً وكل عام وأنتم بخير.
مرفأ:
تصبح لدينا فراشات جميلة حينما نطعم اليرقات، وليس عندما نلصق أجنحة فوقها.
(الكاتب فريد اور).
المصدر :محمد المسعودي - متخصص في الاستراتيجيات التربوية الحديثة، واشنطن

مشكور مكتب

مشكورة ماز على مرورك